:P
الحمد لله الذي جعل شهر رمضان سيد الشهور ، وضاعف فيه الحسنات والأجور أحمده وأشكره فهو الغفور الشكور ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة أوفرها ليوم النشور ، أرجو برها وذخرها والفوز بها بدار القرار والسرور .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف آمر ومأمور ، اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم البعث والنشور .
أما بعد :
أخي المسلم المبارك :
ما هي إلا أيام قلائل حتى تكتمل دورة الفلك ، ويشرف على الدنيا كلها هلال شهر رمضان المبارك ، الذي تهفو إليه قلوب المؤمنين وتتشوق إليه نفوسهم ، وتتطلع شوقاً إلى بلوغه لتنتظم في جامعته الكبرى التي تفتح أبوابها كل عام لتستقبل أفواج الصائمين من كل أنحاء المعمورة .
أخي : سنستقبل شهر رمضان بعد أيام ليعيد للقلوب صفاءها ، وللنفوس إشراقها وللضمائر نقاءها ، بعدما تكدرت بفتنة الحياة ، وزحام الدنيا ، وتلوثت بالنزوات العابرة ، والشهوات العارمة فجاء رمضان ليبعثها من رقاد ويوقظها من سبات .
أخي الحبيب : إن الله تعالى قد أمتن علينا بشهر عظيم ، ووافد كريم ، قد أظلنا زمانه ، وأدركنا أوانه ، وإن بلوغ هذا الشهر أمنية عظيمة ونعمة جليلة ، ولذلك كان السلف يدعون الله تعالى أن يبلغهم رمضان .
وذلك لأن شهر رمضان شهر عظيم ، فهو أفضل الشهور على الإطلاق ، شهر خصه الله بفضائل كثيرة ، وخيرات عظيمة ، فهو شهر نزول القرآن ، شهر تتنزل فيه الرحمات ، وتغفر فيه الذنوب والسيئات ، وتفتح فيه أبوب الجنات ، وتغلق فيه أبواب النيران ، فيه ليلة هي خير من ألف شهر وغير ذلك من الفضائل العظيمة والخيرات الجسيمة التي خص الله بها هذا الشهر العظيم .
لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه رضوان الله عليهم عند حلوله ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتاكم شهر رمضان شهر مبارك ، فرض الله عز وجل عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب السماء ، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه مردة الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم " أخرجه أحمد (9/225،226) والنسائي (4/129) وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1/490) وتمام المنة ص (395) .
نعم والله إنها بشرى عظيمة ، كيف لا يبشر المؤمن بشهر يفتح الله فيه أبواب الجنة ؟ كيف لا يبشر المذنب بشهر يغلق الله فيه أبواب النار ؟ كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل الله فيه مردة الشياطين ؟ كيف لا يبشر العابد بليلة هي خير من ألف شهر ؟ شهر لا تحصى فضائله ، ولا تعد فوائده فكيف لا يبشر به ؟
أخي الكريم ، ولكي يزداد شوقك لهذا الشهر العظيم فهذه بعض فضائل هذا الشهر المبارك ، لعل أن يكون لك واعظ من نفسك ، فتعلو الهمة وتزكو النفس ، ويصفو القلب ويطهر من عوالق الحياة وفتنها ، ويكون لك النصيب الأوفر من بركة هذا الشهر وخيره .
ا ـ شهر رمضان شهر نزول القرآن والكتب السماوية :
قال تعالى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) البقرة / 185 .
وقال تعالى : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) القدر / 1 .
وقال تعالى : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) الدخان / 3 .
عن واثله بن الأسقع رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان ، وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان ، وأنزل الإنجيل لثلاث عشر مضت من رمضان ، وأنزل الزبور لثمان عشر خلت من رمضان ، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان " أخرجه أحمد والطبراني في "الكبير" وحسن إسناده الألباني في "صحيح الجامع" (1509) .
فيا أخي الكريم ليكن لك نصيبٌ من القرآن في هذا الشهر المبارك ، الذي أنزل فيه ، وليكن لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة , ففي "الصحيحين" عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن ، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة .
قال الحافظ ابن رجب : دل الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك ، وعرض القرآن على من هو أحفظ له ، وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان ا.هـ من "لطائف المعارف" (189) .
وقال أيضاً : كان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة كل ست ليال …. وكان قتادة يختم القرآن كل سبع ليال ، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة ، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة .
وكان النخعي يفعل مثل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة وفى بقية الشهر في ثلاث .
قال الربيع بن سليمان : كان محمد بن إدريس الشافعي يختم في شهر رمضان ستين ختمه ) ا.هـ لطائف المعارف ص (191) وما بعدها .
وحال السلف رضي الله عنهم مع القرآن في رمضان عجيبة ، فلا تكن من الغافلين في هذا الشهر عن قراءة القرآن , بل كن من الذاكرين له آناء الليل وأطراف النهار .
2- شهر رمضان شهر القيام والتراويح والتهجد :
قف أخي عند هذه البشائر التي بشر بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من قام رمضان إيمانا واحتسابا :
(1) من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " متفق عليه البخاري (2008) ومسلم (759) .
(2) من قام رمضان فهو من الصديقين والشهداء : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، وصليت الصلوات الخمس ، وأديت الزكاة ، وصمت رمضان وقمته فممن أنا ؟ قال " من الصد يقين والشهداء " أخرجه البزار وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحها" واللفظ لابن حبان ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب رقم (993) .
(3) من قام مع إمامة حتى ينصرف كتب له قيام ليلة :جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم " إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام الليلة " أخرجه أبو داود واللفظ له ، والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وقال الألباني في "صلاة التراويح" (ص:15) :سنده صحيح .
فيا أخي :
هل بعد هذا الفضل من فضل ؟ هل بعد هذا الخير من خير ؟ أما زلت مصراً على تقصيرك وتركك لصلاة التراويح وللقيام بعد ما سمعت وقرأت هذه الأحاديث ؟ أما زلت تقضي الليل في السمر والفجور ومشاهدة ما حرم الله تعالى ، وسماع الأغاني والطرب والمجون ؟
ألا فاتق الله في عمرك ، وأقبل على صلاة التراويح يقبل الله عليك ، فطوبى لعبد صام نهاره ، وقام أسحاره .
3- شهر رمضان شهر تكفير الذنوب :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " أخرجه البخاري (38) مسلم (759) .
قال الإمام الخطابي : ( " إيمانا واحتسابا " أي نية وعزيمة ، وهو أن يصوم على التصديق والرغبة في ثوابه ، طيبة به نفسه غير كاره له ، ولا مستثقل لأيامه ، لكن يغتنم أيامه لعظم الثواب ) ا.هـ فتح الباري لابن حجر (4/138-139)
أخي : إن تكفير الذنوب والخطايا نعمة من الله عظيمة ، ومنةٌ من الله جسيمة ، وذلك لمن سلك سبيل الهداية ، وترك سبل الضلال والغواية ، وهذا رمضان بين يديك ، فاغتنم الفرصة عسى الله أن يغفر لك ذنبك ، ويحط عنك خطأك ويمحو عنك سيئاتك .
4- شهر رمضان شهر العتق من النيران :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان أول ليلة من شهر رمضان ، صفدت الشياطين ومردة الجن ، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب ، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ، وينادي مناد : يا باغي الخير أقبل ، وياباغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار ، وذلك كل ليلة " أخرجه الترمذي (682) وابن ماجة (1642) وابن خزيمة (1883) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (1/585) .
وعن أبي أمامه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لله عز وجل عند كل فطر عتقاء " أخرجه أحمد (5/256) وغيره ، وقال الألباني في "صحيح الترغيب" 1/586 (1001) : حسن صحيح .
فتعرض أخي الكريم لنفحات الرب جل جلاله في هذا الشهر الكريم ، عسى الله أن يمن عليك بكرمه وجوده فيعتق رقبتك من النار ، فتكون من السعداء الفائزين بجنة الخلد عنده سبحانه وتعالى .
5- شهر رمضان شهر تفتح فيه أبواب الجنان ، وتغلق فيه أبواب النيران :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين " متفق عليه البخاري (1898) مسلم (1079) وفي رواية مسلم عنه : " فتحت أبواب الرحمة ، وغلقت أبواب جهنم ، وسلسلت الشياطين " مسلم (1079/2) .
فيا أخي :
اعلم أن أبواب الجنة تفتح في رمضان ، وأن أبواب النار تغلق فيه أيضا ، وذلك على الحقيقة دون تأويل ، وهذا من نعم الله العظيمة ، يتفضل بها على عباده في هذا الشهر الكريم .
فوا عجباً لمن يعلم أن الجنة تفتح أبوابها وتتزين للصائمين في رمضان ، ثم لا يشتاق إليها ويحث السير نحوها ، ويسعى لها .
عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من خاف أدلج ،ومن أدلج بلغ المنزل ، ألا إن سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله الجنة " أخرجه الترمذي وحسنه ، والحاكم وصححه ، وحسن إسناده الألباني في الصحيحة (2/637-638) (954) وانظر المشكاة ( 5348 ) .
اعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها
قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها
فالحذر أن تقدم على جنة عرضها السموات والأرض وليس لك فيها موضع قدم .
أخي الحبيب :
كما أن الجنة تفتح أبوابها في رمضان ، فإن النار تغلق أبوابها في رمضان ، فما أعظمها من نعمة يتفضل الله بها على العباد .
فوا عجباً لمن يعلم أن النار تسجر ، ولا يفعل ما ينجيه منها ، أما سمع قوله تعالى : ( إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً .لِلطَّاغِينَ مَآباً ) النبأ /21-22 ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها " . أخرجه مسلم (2842) عن أنس رضي الله عنه .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ناركم هذه التي يوقد بنو آدم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ... " . رواه البخاري (3265) ومسلم (2843) .
فيا أيها الغافل عن نفسه ، دع التفكير فيما أنت مرتحل عنه ، واصرف الفكر إلى ما أنت وارد عليه ، فلقد أخبر الملك سبحانه وتعالى أن النار مورد الجميع ، فقال تعالى : ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً . ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ) مريم /71 – 72 .
فأنت يا عبد الله من الورود على يقين ، ومن النجاة على شك ، فاستشعر في قلبك هول هذا المورد ، فعساك تسعد بالنجاة منه ، وتأمَّل في حال الخلائق وقد قاسوا من دواهي القيامة ما قاسوا فينما هم في كربها وأهوالها وقوفاً ينتظرون فصل القضاء ، إذ أحاطت بالمجرمين ظلمات ذات شعب ، وأظلت عليهم نار ذات لهب ، وسمعوا لها تغيظاً وزفيراً ، فعندها أيقن المجرمون بالعطب ، فأسكنوا داراً ضيقة الأرجاء ، مظلمة المسالك ، يخلد فيها الأسير ، ويوقد فيها السعير ، طعام أهلها الزقوم ، وشرابهم فيها الحميم ، ومستقرهم الجحيم ، الزبانية تقمعهم ، والهاوية تجمعهم .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع وجبة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم " تدرون ما هذا ؟ " قال : قلنا الله ورسوله أعلم . قال : هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفاً ، فهو في النار الآن حين انتهى إلى قعرها " أخرجه مسلم (7096) .
أخي : فالنار أعدها الله للمجرمين الفجار ، فإياك إياك أن تكون من أهلها ، واغتنم هذا الشهر في فعل الطاعات ، وعمل القربات وترك المحرمات ، عسى الله أن يرفع لك الدرجات ، وتكتب في عداد المقبولين وتعتق من النار .
6- شهر رمضان شهر مضاعفة الأجور :
اعلم أخي وفقني الله وإياك لطاعته ، أن مضاعفة الأجر للأعمال تكون بأسباب : منها شرف المكان المعمول فيه ذلك العمل كالحرم مثلا فإن الصلاة فيه مضاعفة عن غيره من المساجد ، ومنها شرف الزمان كشهر رمضان وعشر ذي الحجة ، ولهذا كانت العمرة في رمضان تعدل حجة , كما في حديث ابن عباس رضي الله عنه قال : لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجه قال لأم سنان الأنصارية : " ما منعك من الحج ؟ " قالت : أبو فلان _ تعني زوجها _ , كان لدينا ناضحان ، حج على أحدهما ، والآخر يسقي أرضاً لنا ، قال : " فإن عمرة في رمضان تقضي حجة معي " رواه البخاري (1863) , ومسلم (1256) .
قال الحافظ ابن رجب في لطائف المعارف ص (169) : ( ذكر أبو بكر بن أبي مريم عن أشياخه أنهم كانوا يقولون : إذا حضر شهر رمضان فانبسطوا فيه بالنفقة ، فإن النفقة فيه مضاعفة كالنفقة في سبيل الله .......فلما كان الصيام في نفسه مضاعفاً أجره بالنسبة إلى سائر الأعمال ، كان صيام شهر رمضان مضاعفاً على سائر الصيام لشرف زمانه ، وكونه هو الصوم الذي فرضه الله على عباده ، وجعل صيامه أحد أركان الإسلام التي بني عليها الإسلام " ا. هـ .
فهلم أخي إلى فعل الخير في هذا الشهر ، فالأجر فيه مضاعف ، ألا ترى دعاء الملك في رمضان يقول : " يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر " .
7- شهر رمضان شهر تصفد فيه الشياطين :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين " متفق عليه ، وفي رواية " فتحت أبواب الرحمة " .
فيا فرحة العابدين ، ويا سعادة المجتهدين ، ونشوة الذاكرين ، بشهرٍ صُفِّدت فيه الشياطين ، وفتحت فيه أبواب السماء بالرحمة ، وفتحت أبواب الجنان ، وأغلقت أبواب النيران ، فبادر أخي الكريم بفعل الطاعات ، وترك المنكرات ، لعلك تفوز بالجنان وحورها .
* * *
أخي :
هذه بعض فضائل شهر رمضان ، وهاهو عما قريب سيحل بساحتك ، ويملأ عليك الدنيا بهجة وسروراً ، وبركة وخيراً وضياء ونوراً فهذا هو حاله معك ، وتلك هي بعض مراسيم استقباله لك ، فما هو حالك معه ؟ وما هي استعداداتك ومراسيم استقبالك لهذا الشهر المبارك ؟
اعلم أن نفوس المؤمنين تشتاق إلى هذا الشهر العظيم ، ولكي يزداد الشوق والحنين فإليك بعض فضائل الصيام ، فأنعم بالصوم من عبادة بها ترفع الدرجات ، وتكفر الخطيئات ، وتكسر وتحطم على صخوره الشهوات ، وتزكو النفس وتنزجر عن خواطر المعاصي والمخالفات ، وبه تقرع أبواب الجنان ، وهو جنة للعبد يحول بينه وبين دخول النيران ، فكم للصوم من فضائل وفضائل ... وإليك طرفاً منها :
1- دخول الصوام الجنة من باب الريان :
عن سهل بن سعد رضي الله عنها ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم ، يقال : أين الصائمون ؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم ، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد " رواه البخاري (4/111) ، ومسلم (1152) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة : يا عبد الله هذا خير ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة " . فقال أبو بكر رضي الله عنه : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة ، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها ؟ قال : نعم وأرجو أن تكون منهم " متفق عليه أخرجه البخاري (1897) ومسلم (1027) .
2- الصيام جنة _ أي : وقاية _ من النار والشهوات :
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " رواه البخاري (1905) ومسلم (1400) .
وعن عثمان بن أبي العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصوم جنة من عذاب الله " وفي رواية " الصوم جنة من النار كجنة أحدكم من القتال " . أخرجه النسائي وأحمد وابن ماجه وغيرهم وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3867) .
قال المناوي في "فيض القدير" (4/242-250) : ( وقاية في الدنيا من المعاصي بكسر الشهوة وحفظ الجوارح ، وفي الآخرة من النار ) ا.هـ .
3- الصوم في سبيل الله يباعد العبد عن النار :
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً " رواه البخاري (2840) ومسلم (1153) .
قال المناوي في فيض القدير (6/161) : ( قوله : " سبعين خريفاً " : سنة ، أي نَجَّاه وباعده منها مسافة تقطع في سبعين سنة ، إذ كل ما مر خريف انقضت سنة ، فهو من إطلاق اسم البعض على الكل ) ا.هـ
أخي : إن أعز أمنية لآخر أهل النار خروجاً منها وهو يخرج منها حبواً أن يصرف الله وجهه عن النار قبل الجنة ، ولا يسأل مولاه غير ذلك ) متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ) . فكيف إذا باعد الله وجهه عن النار وجعل بينه وبين النار مسيرة سبعين سنة ، وهذا بصيام يوم واحد ، فما ظنك بصيام شهر كامل ، وهو شهر رمضان ؟!
واستمع إلى هذا الحديث الآخر : عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صام يوماً في سبيل الله تعالى جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض " قال الهيثمي في المجمع (3/194) : رواه الطبراني في الصغير والأوسط وإسناده حسن . وكذا قال المنذري ، وقال الألباني : حسن لغيره . ينظر : صحيح الترغيب (1/581) (990) .
4- الصيام لا مثل له وهو الطريق إلى الجنة :
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم : مرني بعمل , قال : " عليك بالصوم فإنه لا عدل له " قلت : يا رسول الله ! مرني بعمل ، قال : " عليك بالصوم فإنه لا مثل له " قلت : يا رسول الله ! مرني ، بعمل قال : " عليك بالصوم فإنه لا مثل له " . فكان أبو أمامة لا يرى في بيته الدخان نهاراً إلا إذا نزل بهم ضيف . أخرجه النسائي وابن خزيمة والحاكم وصححه وابن حبان ، وصحح هذه الروايات كلها الشيخ الألباني في صحيح الترغيب (1/580) (986) .
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : أسندت النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدري ، فقال : " من قال لا إله إلا الله ختم له بها دخل الجنة ، ومن صام يوماً ابتغاء وجه الله ختم له به دخل الجنة ، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة " . أخرجه أحمد (5/391) وقال الهيثمي في المجمع (2/324) : " رواه أحمد وروى البزار طرفاً منه في الصوم فقط ورجاله موثقون " . ا . هـ وقال المنذري في الترغيب (2/13) (1441) : رواه أحمد بإسناده ولا بأس به ، وقال الألباني في صحيح الترغيب (1/579) (985) : صحيح . ورواه الأصبهاني في الترغيب (104) ولفظه : " يا حذيفة ! من ختم له بصيام يوم يريد به وجه الله عز وجل أدخله الله الجنة " قال الألباني في صحيح الترغيب (1/579) : صحيح لغيره .
قال المناوي في فيض القدير (6/123) : " أي من ختم عمره بصيام يوم بأن مات وهو صائم أو بعد فطره من صومه دخل الجنة مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب " ا .هـ .
وبوب ابن خزيمة في صحيحة (3/304) :
" باب ذكر إيجاب الله عز وجل الجنة للصائم يوماً واحداً إذا جمع مع صومه صدقة ، وشهود جنازة ، وعيادة مريض " ا . هـ .
ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أصبح منكم اليوم صائماً ؟ فقال أبو بكر : أنا . فقال " من أطعم منكم اليوم مسكيناً ؟ قال أبو بكر أنا ، فقال : من تبع منكم اليوم جنازة ؟ فقال أبو بكر أنا قال : من عاد منكم اليوم مريضاً ؟ قال أبو بكر أنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعت هذه الخصال قط في رجل إلا دخل الجنة " أخرجه مسلم (1028) وغيره .
فيا إخواني هذا طريق الجنة واضح أمامنا فمن كان من أصحاب الهمم العالية والأهداف السامية ، والغايات الرفيعة فهذا هو الطريق ، إنه الصوم فإنه لا عدل له .
5- الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة :
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب ! منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه ، ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعني فيه . قال : فيُشفعّان " أخرجه أحمد (2/174) وغيره وحسن إسناده المنذري في الترغيب ، وقال الألباني : حسن صحيح . (صحيح الترغيب (1/579) (984) ، وصحيح الجامع (3882) ) .
فيا أخي الكريم :
هذا الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة ، يوم الحسرة والندامة " فيا من فرط وأضاع ، يا من بضاعته التسويف والتفريط بئست البضاعة ، يا من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان والصيام كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشفاعة ؟ ويل لمن شفعاؤه خصماؤه . لطائف المعارف ص (194)
6- الصوم مضاف إلى الله إضافة تشريف وتعريف بقدره :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله عز وجل : كل عمل ابن آدم له إلا الصوم ، فإنه لي وأنا أجزي به ، الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني صائم ، إني صائم ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، للصائم فرحتان يفرحهما ، إذا أفطر فرح بفطره ، وإذا لقي ربه فرح بصومه " رواه البخاري (1904) ، ومسلم (1151) .
وفي رواية عند البخاري : " يترك طعامه وشرابه من أجلي ، الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها " .
وفي رواية مسلم : " كل عمل ابن آدم يضاعف ، الحسنة بعشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف ، قال الله تعالى : إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع شهوته وطعامه من أجلي " .
قال الإمام ابن عبد البر : ( كفى بقوله : " الصوم لي " فضلا للصيام على سائر العبادات ) .
7- خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك :
قال ابن حبان : " شعار المؤمنين في القيامة التحجيل بوضوئهم في الدنيا فرقاً بينهم وبين سائر الأمم ، وشعارهم في القيامة بصومهم : طيب خلوفهم ، أطيب من ريح المسك ليعرفوا بين ذلك الجمع بذلك العمل نسأل الله بركة هذا اليوم " . انظر صحيح ابن حبان (8/211) .
قال الحافظ ابن رجب : " خلوف فم الصائم : رائحة ما يتصاعد من الأبخرة لخلو المعدة من الطعام بالصيام ، وهي رائحة مستكرهة في مشام الناس في الدنيا ، لكنها طيبة عند الله حيث كانت ناشئة عن طاعته وابتغاء مرضاته " .
وقال الحافظ في الفتح (4/128) : " ويؤخذ من قوله : " أطيب من ريح المسك " أن الخلوف أعظم من دم الشهيد ؟ لأن دم الشهيد شبَّه ريحه بريح المسك ، والخلوف وُصف بأنه أطيب ، ولا يلزم من ذلك أن يكون الصوم أفضل من الشهادة لما لا يخفى ، ولعل سبب ذلك النظر إلى أصل كل منهما ، فإن أصل الخلوف طاهر ، وأصل الدم بخلافه ، فكان ما أصله طاهر أطيب ريحاً " ا . هـ .
قال المناوي في "فيض القدير" (4/205) : ( "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " فإذا كان هذا بتغير ريح فمه ، فما ظنك بصلاته وقراءته وسائر عباداته ) ا هـ .
8- للصائم فرحتان : قال ابن رجب في "لطائف المعارف" (176_178) : ( أما فرحة الصائم عند فطره فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح , فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات ثم أبيح لها في وقت آخر فرحت بإباحة ما منعت منه , خصوصا عند اشتداد الحاجة إليه , فإن النفوس تفرح بذلك طبعا , فإن كان ذلك محبوبا لله كان محبوبا شرعا , والصائم عند فطره كذلك , فكما أن الله تعالى حرَّم على الصائم في نهار الصيام تناول هذه الشهوات , فقد أذن له فيها في ليل الصيام , بل أحب منه المبادرة إلى تناولها في أول الليل وآخره ... فالصائم ترك شهواته لله بالنهار تقربا إليه وطاعة له , وبادر إليها في الليل تقربا إلى الله وطاعة له , فما تركها إلا بأمر ربه , ولا عاد إليها إلا بأمر ربه , فهو مطيع له في الحالين .... وإن نوى بأكله وشربه تقوية بدنه على القيام والصيام كان مثابا على ذلك , كما أنه إذا نوى بنومه في الليل والنهار التقوِّي على العمل كان نومه عبادة .... ومن فهم هذا الذي أشرنا إليه لم يتوقف في معنى فرح الصائم عند فطره , فإن فطره على الوجه المشار إليه من فضل الله ورحمته , فيدخل في قوله تعالى : (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) يونس / 58 , ولكن شرط ذلك أن يكون فطره على حلال , فإن كان فطره على حرام كان ممن صام عما أحل الله , وأفطر على ما حرم الله ، ولم يستجب له دعاء , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يطيل السفر : "يمد يديه إلى السماء : يا رب , يا رب , ومطعمه حرام , ومشربه حرام , وملبسه حرام , وغُذِي بالحرام , فأنى يستجاب لذلك " . رواه مسلم من حديث أبي هريرة ( 1015 ) .
وأما فرحه عند لقاء ربه فما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخرا , فيجده أحوج ما كان إليه , كما قال الله تعالى : ( وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً ) المزمل / 20 ، وقال تعالى : ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً ) (آل عمران / 30 ) ا.هـ باختصار .
- الصيام يرفع الدرجات : وهذا في قوله : " وأنا أجزي به " .
قال الحافظ في الفتح (4/130) : " المراد بقوله : وأنا أجزي به ، أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته ، وأما غيره من العبادات قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله ، إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير ، ويشهد لهذا السياق رواية "الموطأ" وكذا رواية الأعمش عن أبي صالح حيث قال : " كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله ، قال الله : " إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به " أي أجازي عليه جزاءً كثيرا من غير تعيين المقدار ، وهذا لقوله تعالى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) الزمر / 10 . ا هـ .
قال المناوي في "فيض القدير" (4/251) : ( " وأنا أجزي به " إشارة إلى عظم الجزاء عليه وكثرة الثواب ؟ لأن الكريم إذا أخبر بأنه يعطي العطاء بلا واسطة اقتضى سرعة القضاء وشرفه ) ا هـ .
وقال الحافظ ابن رجب في "لطائف المعارف" (168) : ( على هذه الرواية يكون استثناء الصوم من الأعمال المضاعفة فتكون الأعمال كلها تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف , إلا الصيام فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد , بل يضاعفه الله عز وجل أضعافا كثيرة بغير حصر عدد " ا هـ .
10- الصيام كفارة من الذنوب والمعاصي :
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر والنهي " . رواه البخاري (1895) ومسلم (144) وغيرهما .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : " من صام رمضان إيمان واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " . متفق عليه .
وعنه أيضاً قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصلوات الخمس , والجمعة إلى الجمعة , ورمضان إلى رمضان , مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " . أخرجه مسلم (1/233) .
11- دعوة الصائم لا ترد :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث دعوات مستجابات : دعوة الصائم ، ودعوة المظلوم ، ودعوة المسافر " رواه البيهقي في الشعب وغيره ، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (3030) .
وعنه أيضاً قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا ترد دعوتهم : الصائم حتى يفطر ، والإمام العادل ، ودعوة المظلوم " أخرجه الترمذي (3598) وحسنه ، وابن ماجه (1752) وأحمد (2/305) وابن حبان (3428) وغيرهم وحسنه ابن حجر في "أمالي الأذكار "
فيا أخي : اغتنم الفرصة وارفع أكف الضراعة وأتت صائم ، وعند فطرك ، توجه بقلبك وقالبك إلى الله جل جلاله ادعه وأنت موقن بالإجابة ، فإنها لا ترد إن شاء الله .
12- أن لله وملائكته يصلون على المتسحرين :
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين " أخرجه ابن حبان في صحيحه والطبراني في الأوسط وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1844) .
والسحور لا يكون إلا في الصيام ، ولا يتسحر إلا من نوى الصيام وأراده ، ومن هنا يتبين فضل الصيام في ذلك ، لأنه كان سبباً في أن يصلي الله تبارك وتعالى وملائكته الكرام على المتسحرين .
أخي الكريم :
إن كان الله جل جلاله وملائكته الكرام يصلون على المتسحرين ، والسحور عون على الصيام فما ظنك بالصيام ؟ .
فأكرم بها من عبادة يصلي الله عليك بها والملأ الأعلى .
13- الصوم في الصيف يورث السقيا يوم القيامة :
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا موسى على سرية في البحر فبينما هم كذلك قد رفعوا الشراع في ليلة مظلمة إذ هاتف فوقهم يهتف : يا أهل السفينة ! قفوا أخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه ، فقال أبو موسى : أخبرنا إن كنت مخبراً . قال : إن الله تبارك وتعالى قضى على نفسه أن من أعطش نفسه له في يوم صائف سقاه الله يوم العطش " قال المنذري : رواه البزار بإسناد حسن إن شاء الله . وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (1/412) .
كان من أسباب بكاء الصالحين عند موتهم ما يفوتهم من ظمأ الهواجر ، قال معاذ بن جبل رضي الله عنه عند موته : مرحباًَ بالموت زائر مغب ، حبيب جاء على فاقة ، اللهم كنت أخافك فأنا اليوم أرجوك ، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا لطول البقاء فيها ولا لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار ، ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ، ومزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر " أنظر : الزهد للإمام أحمد ( 180 ) ، وحلية الأولياء ( 1 / 239 ) وغيرهما .
الله أكبر هكذا كان القوم ، وتلك هي همتهم ، وهذه كانت غايتهم من الدنيا ... فرضي الله عنهم وأرضاهم وجمعنا بهم في مستقر رحمته آمين .
14 ـ الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة :
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة " أخرجه البيهقي في الشعب عن جابر ، وعند أحمد وأبي يعلى والبيهقي في الكبرى عن عامر بن مسعود رضي الله عنه ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع ( 2898 ) وأشار إلى حسنه السيوطي .
وقال عمر رضي الله عنه : " الشتاء غنيمة العابدين " موقوف صحيح على عمر وهو عند أحمد في الزهد ( 175 ) وغيره .
وقال الحسن البصري : نعم زمان المؤمن الشتاء ، ليله طويل يقومه ، ونهاره قصير يصومه .
وقال قتادة : إن الملائكة تفرح بالشتاء للمؤمن ، يقصر النهار فيصومه ، ويطول الليل فيقومه .
وكان عبيد بن عمير الليثي إذا جاء الشتاء يقول : يا أهل القرآن قد طال الليل لصلاتكم ، وقصر النهار لصومكم .
فيا أخي :
الشتاء ربيع المؤمن " لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات ، ويسرح في ميادين العبادات وينزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه ، كما ترتع البهائم في مرعى الربيع فتسمن وتصلح أجسادها ، فكذلك يصلح دين المؤمن في الشتاء بما يسر الله فيه من الطاعات ، فإن المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة ولا كلفة تحصل له من جوع ولا عطش ، فإن نهاره قصير بارد فلا يحس فيه بمشقة الصيام ... " لطائف المعارف ( 241 ) .
* * *
فيا أخي الكريم :
هذه بعض فضائل الصيام وهي أكثر مما ذكرنا لكن ما ذكر فيه كفاية ، والعاقل خصيم نفسه ، وقد قيل : الظمآن يكفيه من الماء القليل ، فيا أخي الكريم شمر عن ساعد الجد ، واجتهد في هذا الشهر المبارك عسى أن تفوز بالأجر ، وتحصل لك بعض هذه الفضائل إن لم يكن كلها ، فاجتهد في فعل الطاعات من قراءة القرآن ، وذكر واستغفار ، وصلاة وقيام ، وصدقة وإنفاق ، واحرص على الازدياد من الأعمال الصالحات .
إن شهر رمضان ليس شهر السهر أمام التلفاز أو الدشوش والقنوات الفضائية ، وليس شهر التسكع في الحدائق والأسواق , وليس شهراً للسمر المحرم بالغيبة والنميمة وشرب الدخان والمخدرات والمسكرات ، ولعب البالوت واستماع الأغاني الماجنة والموسيقى المحرمة ، ولكنه شهر القرآن والذكر والقيام والتراويح والتسابيح ، والصدقة والبذل والعطاء ، وحلق العلم ، والاعتمار وغيرها من أبواب الخير والبر ، فكن مع الذين يسارعون في الخيرات ، ولا تكن مع الذين يبارزون بالمعاصي رب الأرض والسماوات .
قال الأوزاعي : كان يحيى بن أبي كثير إذا حضر رمضان يدعو : اللهم سلمني لرمضان , وسلم لي رمضان , وتسلمه مني متقبلا . حلية الأولياء 3/69
وفقنا الله وإياك لكل خير وطاعة وبر ، وصرف عنا وإياك كل سوء وشر ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ومولاه ، وصل اللهم على محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم .