اعلم أن المخارج للحروف بمثابة الموازين تعرف بها مقاديرها، والصفات بمثابة الناقد الذي يميز الجيد من الرديء.
فببيان مخرج الحرف تعرف كميته أي: مقداره، فلا يزاد فيه ولا ينقص، وإلا
كان لحنا، وببيان صفته تعرف كيفيته عند النطق به من سليم الطبع كجري الصوت
وعدمه.
معنى الصفة لغة واصطلاحا:
الصفة لغة: ما قام بالشيء من المعاني، كالعلم، والبياض .
واصطلاحا: كيفية عارضة للحرف عند حصوله في المخرج من جهر، ورخاوة، وهمس، وشدة، ونحوها.
عدد الصفات: اختلف العلماء في عدد صفات الحروف، فمنهم من عدها سبع عشرة صفة، وهو الإمام ابن الجزري.
ومنهم من زاد على ذلك فقد أوصلها بعضهم إلى أربع وأربعين صفة، وهو أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي المتوفى سنة 437 ه.
ومنهم من نقص عن السبع عشرة كالبركوي فإنه عدها أربع عشرة صفة بنقص الذلاقة، وضدها، والانحراف، واللين، وزيادة صفة الغنة.
ولنشرع في بيان الصفات التي ذكرها ابن الجزري، ثم بعد التكلم عليها نزيد
عليها صفتي الخفاء والغنة؛ لأنهما من الصفات اللازمة –أيضا-، وقد
ذكرهما كثير من أئمة هذا الفن، فنقول:
الصفات تنقسم إلى قسمين: قسم له ضد، وقسم لا ضد له.
فالذي له ضد: الهمس وضده الجهر، والشدة وضدها الرخاوة، وما بين الشدة
والرخاوة، والاستعلاء وضده الاستفال، والإطباق وضده الانفتاح، والإذلاق
وضده الإصمات، فهذه خمس صفات ضد خمس بجعل ما بين الرخاوة والشدة مع
أحدهما.
وأما الذي لا ضد له: فالصفير، والقلقلة، واللين، والانحراف، والتكرير، والتفشي، والاستطالة، فهذه سبع صفات.
فإذا أضفنا إليها صفتي الخفاء والغنة صارت الصفات التي لا ضد لها تسعا.
وإليك بيان الصفات بقسميها مفصلة:
الهمس:
لغة: الخفاء.
واصطلاحا: جريان النفس عند النطق بالحرف وحروفه عشرة يجمعها: "فحثه شخص سكت".
والجهر:
وهو لغة: الإعلان.
واصطلاحا: انحباس جري النفس عند النطق بالحرف لقوة الاعتماد على مخرجه، وحروفه ما
عدا أحرف الهمس السابقة، وهي ثمانية عشر حرفاً، ولم نعد الألف من حروف
الجهر؛ لأن حروف المد الثلاثة لا تتصف إلا بالخفاء.
والشدة:
ومعناها لغة: القوة
واصطلاحا: انحباس جري الصوت عند النطق بالحرف لكمال قوة الاعتماد على مخرجه، وحروفها ثمانية مجموعة في قولك: "أجد قط بكت".
والتوسط:
وهو لغة: الاعتدال
واصطلاحا: اعتدال الصوت عند النطق بالحرف لعدم كمال انحباسه كما في الشدة، وعدم كمال
جريانه كما في الرخاوة، وحروف التوسط خمسة مجموعة في قولك: "لن عمر".
والرخاوة: وهي لغة: اللين.
واصطلاحا: جريان الصوت عند النطق بالحرف، وحروفها ما عدا حروف الشدة، وما عدا الحروف
البينية أي: التي بين الشدة والرخاوة، وهي حروف التوسط الخمسة السابقة.
والاستعلاء:
وهو لغة: الارتفاع.
واصطلاحا: ارتفاع اللسان إلى الحنك الأعلى عند النطق بالحرف، وحروفه سبعة مجموعة في
قولك: "خص ضغط قظ"، ثم إن المعتبر في الاستعلاء استعلاء أقصى اللسان سواء
استعلى معه بقية اللسان أم لا ولذا لم تعد أحرف وسط اللسان وهي الجيم
والشين والياء غير المدية من أحرف الاستعلاء لأن وسط اللسان هو الذي يعلو
عند النطق بها فقط. ولم تعد الكاف كذلك لأنه لا يستعلى بها إلا ما بين
أقصى اللسان ووسطه.
والاستفال
ومعناه لغة: الانخفاض.
واصطلاحا: انخفاض اللسان أي: انحطاطه عن الحنك الأعلى إلى قاع الفم عند النطق بالحرف، وحروفه ما عدا حروف الاستعلاء.
والإطباق:
وهو لغة: الإلصاق.
واصطلاحا: تلاصق ما يحاذي اللسان من الحنك الأعلى على اللسان عند النطق بالحرف
وأحرفه أربعة، وهي: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، ثم اعلم أن الإطباق
أبلغ من الاستعلاء، وأخص منه، إذ لا يلزم من الاستعلاء الإطباق، ويلزم من
الإطباق الاستعلاء، فكل حرف مطبق مستعلٍ، ولا عكس.
والانفتاح:
وهو لغة: الافتراق.
واصطلاحا: تجافي كل من طائفتي اللسان، والحنك الأعلى عند النطق بالحرف حتى يخرج الريح من بينهما، وحروفه ما عدا أحرف الإطباق.
والإذلاق:
أو الذلاقة لغة: حدة اللسان أي: طلاقته.
واصطلاحا: سرعة النطق بالحروف المذلقة لخروج بعضها من ذلق اللسان أي:
طرفه، وهو اللام، والنون، والراء، وبعضها من ذلق الشفة، وهو الباء الموحدة، والفاء، والميم.
فحروف الإذلاق ستة يجمعها قولك: "فر من لب".
والإصمات: وهو لغة: المنع
واصطلاحا: منع حروفه من الانفراد بتكوين الكلمات المجردة الرباعية أو الخماسية.
فكل كلمة رباعية أو خماسية وليس فيها حرف من حروف الزيادة لا بد أن يكون
فيها حرف أو أكثر من الحروف المذلقة لتعادل خفة المذلق ثقل المصمت، فحروف
الإصمات ممنوعة من أن تختص في لغة العرب ببناء كلمة مجردة رباعية أو
خماسية.
فإذا وجدت كلمة رباعية أو خماسية، وكل حروفها أصلية، وليس
فيها حرف من حروف الذلاقة فهي غير عربية، كلفظ: عسجد، اسم للذهب أعجمي،
وعَسَطُوس -بفتح العين والسين- اسم لشجر الخيزران، وحروف الإصمات ما عدا
أحرف الذلاقة المتقدمة.
والصفير:
وهو لغة: صوت يشبه صوت الطائر.
واصطلاحا: صوت زائد يخرج من بين الشفتين يصاحب أحرفه الثلاثة عند خروجها، وهي الصاد،
والسين المهملتان، والزاي، وسميت بالصفير؛ لأن لها صوتا يشبه صفير الطائر.
والقلقلة: وهي لغة: الاضطراب والتحريك.
واصطلاحا: اضطراب المخرج عند النطق بالحرف ساكنا حتى يسمع له نبرة قوية، وحروفها خمسة مجموعة في قولهم: "قطب جد".
والسبب في هذا الاضطراب والتحريك كونها مجهورة شديدة، فالجهر يمنع النفس
أن يجري معها، والشدة تمنع أن يجري صوتها فلما اجتمع لها هذان الوصفان
احتاجت إلى كلفة في بيانها.
وللقلقة ثلاث مراتب: أعلاها المشدد الموقوف عليه، فالساكن الموقوف عليه، فالساكن وصلا مثال المشدد الموقوف عليه:
الْحَقُّ
، ومثال الساكن وقفا:
خَلَقَ
، ومثال الساكن وصلا
اقْرَأْ
وهكذا في بقية الأحرف.
واللين:
وهو لغة: ضد الخشونة.
واصطلاحا: إخراج الحرف في لين وعدم كلفة.
وله حرفان: وهما الواو، والياء الساكنتان المفتوح ما قبلهما مثل:
خَوْفٌ
، و
بَيْتٍ
.
والانحراف:
وهو لغة: الميل
واصطلاحا: ميل الحرف بعد خروجه إلى مخرج غيره.
وله حرفان: اللام والراء، فاللام فيها انحراف إلي ناحية طرف اللسان، والراء فيها
انحراف إلى ظهر اللسان، وميل قليل إلى جهة اللام؛ ولذلك يجعلها الألثغ
لاما.
والتكرير:
وهو لغة: إعادة الشيء مرة بعد مرة.
واصطلاحا: ارتعاد رأس اللسان عند النطق بالحرف.
وهو صفة لازمة للراء، ومعنى وصف هذا الحرف بالتكرير كونه قابلا له، فيجب
التحرز عنه؛ لأن الغرض من هذه الصفة تركها، فيجب إخفاء التكرير وخاصة إذا
كانت الراء مشددة وليس معنى إخفاء التكرير إعدامه؛
لأن ذلك يسبب
حصرا في الصوت؛ فتخرج الراء كالطاء، وهو خطأ بل معناه أن يلصق اللافظ بهذا
الحرف ظهر لسانه بأعلى حنكه لصقا محكما مرة واحدة بحيث لا يرتعد؛ لأنه متى
ارتعد حدث من كل مرة راء، فهذه الصفة تعرف لتجتنب لا ليؤتى بها.
والتفشي:
وهو لغة: الانتشار.
واصطلاحا: انتشار الريح في الفم عند النطق بالشين، والتفشي صفة للشين وحدها عند أكثر العلماء ومنهم ابن الجزري.
وقيل: إن في الفاء والثاء والضاد والصاد والسين والراء تفشيا كذلك،
والراجح الأول؛ لأن انتشار الريح عند النطق بالشين انتشار كامل؛ ولذا اتفق
على تفشيه بخلاف الحروف المذكورة فإن انتشار الريح عند النطق بها قليل؛
ولذا لم يصفها أكثر العلماء بالتفشي.
والاستطالة:
وهي لغة: الامتداد.
واصطلاحا: امتداد الصوت من أول حافة اللسان إلى آخرها، وهي صفة للضاد المعجمة.
والخفاء:
وهو لغة: الاستتار.
واصطلاحا: خفاء الصوت عند النطق بالحرف.
وللخفاء أربعة أحرف، وهي حروف المد الثلاثة والهاء، أما خفاء حروف المد
فلسعة مخرجها، ولخفاء حروف المد يجب بيانها قبل الهمزة بتطويل مدها.
وأما خفاء الهاء فلاجتماع صفات الضعف فيها، ولخفائها يجب بيانها بتقوية صوتها.
والغنة:
وهي لغة: صوت في الخيشوم.
واصطلاحا: صوت لذيذ مركب في جسم النون والميم، فهي صفة ثابتة فيهما مطلقا، إلا أنها
في المشدد أكمل منها في المدغم، وفي المدغم أكمل منها في المخفي، وفي
المخفي أكمل منها في الساكن المظهر، وفي الساكن المظهر أكمل منها في
المتحرك، فتبين من ذلك أن للغنة خمس مراتب، والظاهر منها في حالة التشديد
والإدغام والإخفاء كمالها المقدر بحركتين.
أما في الساكن المظهر والمتحرك فالثابت فيهما أصلها فقط، فلا تقدر بشيء أصلا.
ومما تقدم يعلم أن أي حرف من الحروف لا بد أن يتصف بخمس صفات من المتضادة،
وأما غير المتضادة، فتارة يتصف بصفة أو صفتين منها، وتارة لا يتصف بشيء،
فلا ينقص الحرف عن خمس صفات، ولا يزيد على سبع.
فمثال ما له خمس الهمزة: فهي مجهورة، شديدة، مستفلة، منفتحة، مصمتة.
ومثال ما له ست النون: فهي مجهورة، بينية، مستفلة، منفتحة، مذلقة، فهذه
خمس صفات من المتضادة يضاف إليها صفة واحدة من غير المتضادة وهي الغنة؛
فيصير للنون ست صفات.
ومثال ما له سبع الراء فقط: فهي مجهورة،
بينية، مستفلة، منفتحة، مذلقة، فهذه خمس من المتضادة يضاف إليها صفتا
الانحراف، والتكرير من غير المتضادة؛ فتصير سبعاً.
وإليك هذه الأبيات من الجزرية حتى يسهل عليك معرفة الصفات
.
صفاتُهــا جــهرٌ ورِخـوٌ مُسَْـتِفلْ | | مُنْفَتِــحٌ مُصْمَتَــةٌ والضِّــدَّ قُــلْ |
مهموسُــها "فحثَّه شــخصٌ سَـكَتْ" | | شــدِيدُها لفــظُ "أَجِدْ قَــطٍ بَكَـتْ" |
وبَيْــنَ رِخْــوٍ والشـديدِ "لِنْ عُمَـرْ" | | وسَـبْعُ عُلْـوٍ "خُصَّ ضَغْطٍ قِظْ" حَصَرْ |
وَصَــادُ ضَـادٌ طَـاءُ ظَـاءٌ مُطْبَقَـةْ | | و "فِرَّ مِــنْ لُـبِّ" الحـروفِ الْمُذْلَقَـةْ |
صفيرُهَـــا صــادٌ وزايٌ سِــينُ | | قَلْقَلَـــةٌ "قُطْبُ جَـــدٍ" واللِّيـــنُ |
وَاوٌ وَيَـــاءٌ سَـــكَنَا وانفتحَـــا | | قبلهمـــا والانحـــرافُ صُحِّحَــا |
فــي الـلامِ والـرَّا وبتكريـرٍ جُـعِلْ | | وللتَّفَشِّــي الشِّــينُ ضَـادًا اسْـتَطِلْ |
تقسيم الصفات إلى قوية وضعيفة
تنقسم الصفات إلى قسمين: قوية وضعيفة.
فالضعيفة ست، وهي: الهمس، والرخاوة، والاستفال، والانفتاح، واللين، والخفاء.
والقوية إحدى عشرة صفة، وهي: الجهر، والشدة، والاستعلاء، والإطباق،
والصفير، والقلقلة، والانحراف، والتكرير، والتفشي، والاستطالة، والغنة.
وهناك ثلاث صفات لا توصف بضعف ولا قوة، وهي:
البينية، والإذلاق، والإصمات.
قال صاحب لآلئ البيان في تجويد القرآن:
ضعيفُهــا هَمْسٌ وَرِخْــوٌ وَخَفَـا |
| لِيــنٌ انفتـاحٌ واستفــالٌ عُرِفَـا |
ومــا سِـوَاها وَصْفُــهُ بِالقُـوَّةِ |
| لا الــذَّلْقِ وَالإصْمَــاتِ والْبَيْنِـيَّةِ |
واعلم أن الحرف إذا كانت صفات القوة فيه أكثر من صفات الضعف كان قويا كالراء –مثلا-.
وإذا كانت صفاته كلها قوية كان أقوى، وأقوى الحروف كلها الطاء فقط.
وإذا كانت صفات الضعف فيه أكثر كان ضعيفا كالزاي –مثلا-.
وإذا كانت صفاته كلها ضعيفة كان أضعف، وأضعف الحروف الهاء وحروف المد الثلاثة.
وإذا كانت صفات القوة فيه متساوية مع صفات الضعف كان متوسطا، كاللام –مثلا-، فهذه خمسة أقسام للحروف.